يحتفل الشعب الفلسطيني هذه الأيام ومعه شعوب الأمة العربية وقوى الحرية والتقدم في العالمي بيوم التضامن مع الشعب الفلسطيني ،في وقت تزدحم فيه المؤامرات على قضية شعبنا التي جرى تدشينها عبر اتفاقات التطبيع الإبراهيمية ، التي بدأت بالإمارات والبحرين وسلطنة عمان وانتقلت إلى كل من السودان والمغرب بدعم غير محدود من السعودية ،حيث باتت هذه الدول تشكل احتياطياً للعدو الصهيوني في مواجهة المقاومة الفلسطينية، إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن بعض هذه الدول دخلت في اتفاقات أمنية وتحالف عسكري مع الكيان الصهيوني ،يجري ترجمته بشكل أولي في مناورات جوية وبحرية مشتركة معه.
ولا نبالغ إذ نقول أن التطبيع الذي تمارسه السلطة الفلسطينية والتنسيق الأمني مع العدو الصهيوني لا يقل بشاعة عن اتفاقيات التطبيع الإبراهيمية ، بل أنه شكل رافعةً لها حين نرى حكومات هذه الدول تتذرع بالتطبيع الفلسطيني الإسرائيلي ، الذي قطع شوطاً طويلاً منذ توقيع اتفاقيات أوسلو 1993 ، ومن ثم فإن إدانة واحتجاج قيادة السلطة على الاتفاقيات الابراهيمية لا معنى له ، في ضوء أن السلطة التي يفترض فيها أن تكون صاحبة القضية والغة في التطبيع الأمني وفي التبعية الاقتصادية للعدو الصهيوني، وفي التطبيع المؤسساتي، إذ رأينا شخصيات وازنة في السلطة لا تتورع عن حضور مؤتمرات هرتزيليا التي تنعقد كل عام لمناقشة استراتيجية "الأمن الإسرائيلي" في كل مرحلة.
نعلم أن شعوب العالم تتضامن مع قضيتنا ، وهذا ما نلمسه في مئات القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورات انعقادها السنوية ، ونعلم أن دولاً في القارة اللاتينية وفي جنوب شرق آسيا مثل ماليزيا تتضامن مع قضيتنا أكثر من تضامن العديد من الدول العربية ، لكن ما يجب الإشارة إليه هنا ، بأن مثل هذا الشكل من التضامن على أهميته يأتي في سياق مناسبي ، وليس في إطار تضامن يقدم الدعم الملموس لقضيتنا ونضالات شعبنا ومقاومته الباسلة ،على النحو الذي كان سائداً بعد حرب عام 1967 ومطلع سبعينات القرن الماضي.
ومرد ذلك يعود إلى خطاب التسوية الأوسلوي البائس منذ عام 1993، الذي دفع العديد من دول عدم الانحياز إلى الاعتراف بالكيان الصهيوني وإقامة أوثق العلاقات معه ولسان حالها يقول: "لسنا ملكيين أكثر من الملك ولسنا بكاثوليك أكثر من البابا ، وطالما أن قيادة المنظمة اعترفت ب ( إسرائيل) وبحقها في الوجود ، وتنسق أمنياً معها ، فلا داعي لإلقاء اللوم علينا".
وإذا ما أرادت فصائل المقاومة أن ترفع من وتيرة التضامن الأممي الملموس مع الشعب الفلسطيني، وأن تجعل من القضية الفلسطينية القضية المركزية في الاهتمام الأممي، فهذا يقتضي ما يلي:
1-أن تعيد الاعتبار للمقاومة بكل أشكالها وفي المقدمة منها الكفاح المسلح، وبهذا الصدد عليها أن تراكم على مخرجات معركة سيف القدس التاريخية بتفعيل المقاومة في الضفة الفلسطينية وفي المناطق المحتلة عام 1948، بحيث يصبح الفعل المقاوم والنوعي فعلاً يومياً يتردد صداه في أنحاء العالم.
2- أن لا تكتفي فصائل المقاومة بالتعويل على قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة على أهميتها، بل عليها أن تنجز أكبر عملية تشبيك سياسية مع كافة القوى والأحزاب التقدمية في قارات العالم الخمس على النحو الذي كان سائداً في سبعينات القرن الماضي.
3- أن لا تخلط الأوراق بحيث لا تفرق بين دول صديقة وحليفة ودول أخرى مطبعة تقيم أوثق العلاقات مع الكيان الصهيوني، على النحو الذي تمارسه بعض الفصائل الإسلامية (حماس) وبعض فصائل منظمة التحرير وتحديداً " حركة فتح".
4- أن لا تكتفي بإقامة علاقات شكلية مع دول وقوى محور المقاومة، بل عليها أن تعلن بوضوح وفي سياقين سياسي وتنظيمي أنها جزء لا يتجزأ من هذا المحور.
5- أن لا تضع بعض الفصائل قدماً في خطاب التسوية الأوسلوي البائس، وقدما ً أخرى في ميدان المقاومة، فخطاب التسوية في وضعنا الفلسطيني مضاد بالمطلق لخطاب المقاومة.
6- أن تعمل فصائل المقاومة على إقامة جبهة وطنية عريضة، تستند إلى برنامج المقاومة وأن تكون الأولوية لبناء هذه الجبهة في هذه المرحلة، بعد أن بات معلوماً للقاصي والداني أن منظمة التحرير مختطفة من قبل نهج اليمين، الذي يتربع على عرش المنظمة والسلطة منذ أكثر من ثلاثة عقود، وأنه لن يسمح بإعادة بناء المنظمة من بوابة الانتخابات، إلا إذا ضمن أن ميزان القوى الانتخابي لمصلحته، ما يمكنه في الاستمرار ببرنامجه الأوسلوي.
7- أن تخوض فصائل المقاومة نضالاً جماهيرياً جذرياً لإسقاط نهج أوسلو وإسقاط نهج التنسيق الأمني، وأن لا تكتف بالمطالبة بإلغاء هذا النهج، فعلى رأس هذا النهج قوى طبقية من مصلحتها الاستمرار فيه، بغض النظر عن الدمار الذي لحق بقضية شعبنا ووحدته الوطنية.
ولا أبالغ إذ أقول أن إنجاز ما تقدم في إطار عملية كفاحية مستمرة، يعيد الاعتبار لقضيتنا ويجعل منها مجدداً حركة التحرر الوطنية رقم ( 1) في العالم، على النحو الذي حصل في سبعينات القرن الماضي بعد انتصار الثورة الفيتنامية، وعلينا هنا أن نذكر أن الالتحام الشعبي العربي، والتضامن الأممي مع قضيتنا يرتبط جذريا بنهج المقاومة، فكلما ارتفعت وتيرة المقاومة في سياق تحالفات محددة، ارتفع التلاحم الشعبي العربي والتضامن الأممي مع قضيتنا، وكلما ساد خطاب التسوية البائس، كلما تراجع هذا التضامن إلى الحضيض، والأمثلة هنا كثيرة جداً، إذ أن في انتفاضتي الحجارة ( 1987-1993) والأقصى (2000-2005) وفي مواجهة العدوان الصهيوني على غزة في الأعوام 2008 ، 2012 ، 2014 شهدت القضية الفلسطينية أوسع حالة تلاحم شعبي عربي وتضامن أممي معها.